فصل: فصل في معاني السورة كاملة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الصابوني:

سورة التحريم مدنية وآياتها اثنتا عشرة آية.
بين يدي السورة:
* سورة التحريم من السور المدنية التي تتناول الشئون التشريعية، وهي هنا تعالج قضايا وأحكامأ تتعلق (ببيت النبوة) وبأمهات المؤمنين أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاهرات، وذلك في إطار تهيئة البيت المسلم، والنموذج الأكمل للأسرة السعيدة، المتمسكة بآداب بالإسلام.
* تناولت السورة الكريمة في البدء الحديث عن تحريم الرسول صلى الله عليه وسلم لجاريته ومملوكته (مارية القبطية) على نفسه، وامتناعه عن معاشرتها إرضاء لرغبة بعض زوجاته الطاهرات، وجاء العتاب له لطيفا رقيقا، يشف عن عناية الله بعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يضيق على نفسه ما وسعه الله له {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك..} الآية.
* ثم تناولت السورة أمرا على جانب كبير من الخطورة، ألا وهو (إفشاء السر) الذي يكون بين الزوجين، والذي يهدد الحياة الزوجية، وضربت المثل على ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسر إلى حفصة بسر واستكتمها إياه، فأفشته إلى عائشة، حتى شاع الأمر وذاع، مما أغضب الرسول حتى هم بتطليق أزواجه {وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حدبثا..} الآية.
* وحملت السورة الكريمة حملة شديدة عنيفة، على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين حدث ما حدث بينهن من التنافس، وغيرة بعضهن من بعض، لأمور يسيرة، وتوعدتهن بإبدال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بنساء خير منهن، انتصارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات..} الآية.
* وختمت السورة بضرب مثلين: مثل (للزوجة الكافرة) في عصمة الرجل الصالح المؤمن، ومثل! (للزوجة المؤمنة) في عصمة الرجل الفاجر الكافر، تنبيها للعباد على أنه لا يغني في الآخرة أحد عن أحد، ولا ينفع حسب ولا نسب، إذا لم يكن عمل الإنسان صالحا {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما} أي كفرتا بالله ولم تؤمنا {فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل أدخلا النار مع الداخلين وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة..} الآيات. وهو ختم رائع يتناسق مع جو السورة وهدفها في ترسيخ دعائم الفضيلة والإيمان. اهـ.

.قال أبو عمرو الداني:

سورة التحريم:
مدنية.
وقد ذكر نظيرتها في غير البصري ولا نظير لها فيه.
وكلمها مئتان وسبع وأربعون كلمة.
وحروفها ألف ومئة وستون حرفا.
وهي اثنتا عشرة آية في جميع العدد ليس فيها اختلاف ولا مما يشبه الفواصل شيء.

.ورؤوس الآي:

{رحيم}.
1- {الحكيم}.
2- {الخبير}.
3- {ظهير}.
4- {وأبكارا}.
5- {يؤمرون}.
6- {تعملون}.
7- {قدير}.
8- {المصير}.
9- {الداخلين}.
10- {الظالمين}.
11- {القانتين}. اهـ.

.فصل في معاني السورة كاملة:

.قال المراغي:

سورة التحريم:
{تحرّم}: أي تمتنع، {ما أحل الله لك}: هو العسل، {تبتغى}: أي تطلب، {فرض}:
أي شرع وبيّن كما جاء في قوله: {سُورةٌ أنْزلْناها وفرضْناها}، و{تحلة أيمانكم}: أي تحليلها بالكفارة، وتحليلة القسم تستعمل على وجهين:
(1) أحدهما تحليله بالكفارة كما في الآية.
(2) ثانيهما بمعنى الشيء القليل وهذا هو الأكثر كما جاء في الحديث: «لن يلج النار إلا تحلة القسم» أي إلا زمنا يسيرا.
{مولاكم}: أي وليكم وناصركم، {بعض أزواجه}: هي حفصة على المشهور، {نبأت به}: أي أخبرت عائشة به، {وأظهره} أي أطلعه وأعلمه قول حفصة لعائشة، {عرّف} أي أعلمها ببعض الحديث الذي أفشته، {وأعرض عن بعض}: أي لم يخبرها به، {إن تتوبا}: أي حفصة وعائشة، {صغت قلوبكما}: أي عدلت ومالت إلى ما يجب للرسول صلى الله عليه وسلم من تعظيم وإجلال، {وإن تظاهرا عليه}: أي تتظاهرا وتتعاونا على إيذاء الرسول، {مولاه}: اى وليه وناصره، {ظهير}: أي ظهراء معاونون، وأنصار مساعدون، {مسلمات}: أي خاضعات لله بالطاعة، {مؤمنات}: أي مصدّقات بتوحيد الله، مخلصات، {قانتات}: أي مواظبات على الطاعة، {تائبات}: أي مقلعات عن الذنوب، {عابدات}: أي متعبدات متذللات لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، {سائحات}. أي صائمات، وسمى الصائم بذلك من حيث إن السائح لا زاد معه، ولا يزال ممسكا حتى يجد الطعام كالصائم لا يزال كذلك حتى يجيء وقت الإفطار.
{قوا أنفسكم}: أي اجعلوا لها وقاية من النار بترك المعاصي، {وأهليكم}: أي بحملهم على ذلك بالنصح والتأديب، والوقود (بفتح الواو): ما توقد به النار، {والحجارة}: هي الأصنام التي تعبد لقوله تعالى: {إِنّكُمْ وما تعْبُدُون مِنْ دُونِ الله حصبُ جهنّم} {ملائكة}: هم خزنتها التسعة عشر، {غلاظ}: أي غلاظ القلوب لا يرحمون إذا استرحموا، {شداد}: أي أقوياء الأبدان، والتوبة النصوح: هي الندم على مافات والعزم على عدم العودة إلى مثله فيما هو آت.
الجهاد تارة يكون بالسيف وأخرى بالحجة والبرهان، {واغلظ عليهم}: أي شدّد، والمأوى: مكان الأبواء والإقامة.
ضرب المثل: ذكر حال غريبة لتعرف بها حال أحرى تشاكلها في الغرابة، {تحت عبدين}: أي في عصمتهما، {فخانتاها}: أي نافقتا فأخفتا الكفر وأظهرتا الإيمان، وكانت امرأة نوح تقول لقومه: إنه مجنون، وامرأة لوط نزل قومه على نزول أضيافه عليه، {فلم يغنيا عنهما}: أي لم يفيداهما ولم يجزيا عنهما من الله شيئا، {امرأة فرعون}: على ما قيل هي آسية بنت مزاحم، {نجنى من فرعون وعمله}: أي خلصنى منه فإنى أبرأ إليك منه ومن عمله، والقوم الظالمون: هم الوثنيون أقباط مصر، و{أحصنت فرجها}: أي حفظته وصانته، والفرج: شق جيب الدرع (القميص) إذ الفرج لغة كل فرجة بين الشيئين، ويراد بذلك عفتها، وكلمات ربها: أي شرائعه {وكتبه} التي أنزلها على رسله، و{القانتين}: أي الطائعين المخبتين إلى الله الممتثلين أوامره. اهـ.. باختصار.

.قال الفراء:

سورة التحريم:
{يا أيُّها النّبِيُّ لِم تُحرِّمُ مآ أحلّ الله لك تبْتغِي مرْضاة أزْواجِك والله غفُورٌ رّحِيمٌ قدْ فرض الله لكُمْ تحِلّة أيْمانِكُمْ والله موْلاكُمْ وهُو الْعلِيمُ الْحكِيمُ}
قوله جلّ وعز: {يا أيُّها النّبِيُّ لِم تُحرِّمُ مآ أحلّ الله لك...}.
نزلت في ماريّة القبطية، وكان النبي صلى الله عليه يجعل لكل امرأة من نسائه يوما، فلما كان يوم عائشة زارتها حفصة بنت عمر، فخلا بيتها، فبعث النبي صلى الله عليه إلى مارية القبطية، وكانت مع النبي صلى الله عليه في منزل حفصة، وجاءت حفصة إلى منزلها فإذا الستر مرخى، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتكتمين علىّ؟ فقالت: نعم، قال: فإنها علىّ حرام يعنى مارية، وأخبرك: أن أباك وأبا بكر سيملكان من بعدى، فأخبرت حفصة عائشة الخبر، ونزل الوحى على النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فدعا حفصة قال: «ما حملك على ما فعلتِ؟» قالت له: ومن أخبرك أنى قلت ذلك لعائشة؟ قال: {نبأنى العليم الخبير} ثم طلق حفصة تطليقة، واعتزل نساءه تسعة وعشرين يوما. ونزل عليه: {لِم تُحرِّمُ مآ أحلّ الله لك} من نكاح مارية، ثم قال: {قدْ فرض الله لكُمْ تحِلّة أيْمانِكُمْ...} يعنى: كفارة أيمانكم، فأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم رقبة، وعاد إلى مارية.
قال الفراء: حدثنى بهذا التفسير حِبان عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس، ثم قال: {عرف بعضه} يقول: عرف حفصة بعض الحديث؛ وترك بعضا، وقرأ أبو عبدالرحمن السلمى{عرف} خفيفة.
حدثنا محمد بن الجهم حدثنا الفراء قال: حدثنى محمد بن الفضل المروزى عن عطاء عن أبى عبدالرحمن السلمى{عرف} خفيفة.
حدثنا الفراء، وحدثنى شيخ من بنى أسد يعنى الكسائى عن نعيم عن أبى عمرو عن عطاء عن أبى عبدالرحمن قال: كان إذا قرأ عليه الرجل: {عرّف بعضه} بالتشديد حصبه بالحصباء، وكأن الذين يقولون: عرف خفيفة يريدون: غضب من ذلك وجازى عليه، كما تقول للرجل يسيء إليك: أما والله لأعرفن لك ذلك، وقد لعمرى جازى حفصة بطلاقها، وهو وجه حسن، وذكر عن الحسن البصرى أنه قرأ {عرف} بالتخفيف كأبى عبدالرحمن.
{إِن تتُوبآ إِلى الله فقدْ صغتْ قُلُوبُكُما وإِن تظاهرا عليْهِ فإِنّ الله هُو موْلاهُ وجِبْرِيلُ وصالِحُ الْمُؤْمِنِين والْملائِكةُ بعْد ذلِك ظهِيرٌ}
وقوله: {إِن تتُوبآ إِلى الله...}.
يعنى: عائشة وحفصة، وذلك: أن عائشة قالت: يا رسول الله، أما يوم غيرى فتتمه، وأما يومى فتفعل فيه ما فعلت؟ فنزل: إن تتوبا إلى الله من تعاونكما على النبي صلى الله عليه وسلم {فقدْ صغتْ قُلُوبُكُما} زاغت ومالت {وإِن تظاهرا عليْهِ} تعاونا عليه، قرأها عاصم والأعمش بالتخفيف، وقرأها أهل الحجاز: {تظّاهرا} بالتشديد {فإِنّ الله هُو موْلاهُ}: وليه عليكما {وجِبْرِيلُ وصالِحُ الْمُؤْمِنِين} مثلُ أبى بكر وعمر الذين ليس فيهم نفاق، ثم قال: {والْملائِكةُ بعْد ذلِك ظهِيرٌ} بعد أولئك، يريد أعوان، ولم يقل: ظهراء، ولو قال قائل: إن ظهيرا لجبريل، ولصالح المؤمنين، والملائكة- كان صوابا، ولكنه حسن أن يجعل الظهير للملائكة خاصة، لقوله: {والملائكة} بعد نصرة هؤلاء ظهير.
وأما قوله: {وصالِحُ الْمُؤْمِنِين} فإنه موحد في مذهب الجميع، كما تقول: لا يأتينى إلا سائس الحرب، فمن كان ذا سياسة للحرب فقد أمر بالمجيء واحدا كان أو أكثر منه، ومثله: {والسّارِقُ والسّارِقةُ فاقْطعُوا أيْدِيهُما}، هذا عامٌّ وليس بواحد ولا اثنين، وكذلك قوله: {واللذانِ يأْتِيانِها مِنكُمْ فآذُوهما}، وكذلك: {إنّ الإِنْسان ل في خُسْرٍ}، و{إِنّ الإِنْسان خُلِق هلُوعا}، في كثير من القرآن يؤدى معنى الواحد عن الجمع.
وقرأ عاصم والأعمش: {أنْ يُبْدلهُ} بالتخفيف، وقرأ أهل الحجاز، {أن يبدِّله} بالتشديد وكلٌّ صواب: أبدلت، وبدّلت.
{عسى ربُّهُ إِن طلّقكُنّ أن يُبْدِلهُ أزْواجا خيْرا مِّنكُنّ مُسْلِماتٍ مُّؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثيِّباتٍ وأبْكارا}
وقوله: {سائِحاتٍ...}.
هنّ الصائمات، قال: ونرى أن الصائم إنما سمّى سائحا لأن السائح لا زاد معه، وإنما يأكل حيث يجد، فكأنه أخذ من ذلك. والله أعلم.
والعرب تقول للفرس إذا كان قائما على غير علف: صائم، وذلك أن له قُوتيْن. قُوتا غدوة وقوتا عشية؛ فشبه بتسحر الآدمى وإفطاره.
{يا أيُّها الّذِين آمنُواْ قُواْ أنفُسكُمْ وأهْلِيكُمْ نارا وقُودُها النّاسُ والْحِجارةُ عليْها ملائِكةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاّ يعْصُون الله مآ أمرهُمْ ويفْعلُون ما يُؤْمرُون}
وقوله: {قُواْ أنفُسكُمْ وأهْلِيكُمْ...}.
علِّموا أهليكم ما يدفعون به المعاصى، علموهم ذلك.
{يا أيُّها الّذِين آمنُواْ تُوبُواْ إِلى الله توْبة نّصُوحا عسى ربُّكُمْ أن يُكفِّر عنكُمْ سيِّئاتِكُمْ ويُدْخِلكُمْ جنّاتٍ تجْرِي مِن تحْتِها الأنْهارُ يوْم لا يُخْزِى الله النّبِيّ والّذِين آمنُواْ معهُ نُورُهُمْ يسْعى بيْن أيْدِيهِمْ وبِأيْمانِهِمْ يقولون ربّنآ أتْمم لنا نُورنا واغْفِرْ لنآ إِنّك على كُلِّ شيْءٍ قدِيرٌ}
وقوله: {توْبة نّصُوحا...}.
قرأها بفتح النون أهلُ المدينة والأعمش، وذكر عن عاصم والحسن {نُصُوحا}، بضم النون، وكأن الذين قالوا: {نُصوحا} أرادوا المصدر مثل: قُعودا، والذين قالوا: {نصوحا} جعلوه من صفة التوبة، ومعناها: يحدّث نفسه إذا تاب من ذلك الذنب ألاّ يعود إليه أبدا.
وقوله: {يقولون ربّنآ أتْمم لنا نُورنا...}.
لا يقوله كل من دخل الجنة، إنما يقوله أدناهم منزلة؛ وذلك: أن السابقين فيما ذكر يمرون كالبرق على الصراط، وبعضهم كالريح، وبعضهم كالفرس الجواد، وبعضهم حبْوا وزحفا، فأولئك الذين يقولون: {ربّنا أتْمم لنا نُورنا} حتّى ننجو.
ولو قرأ قارئ: {ويدخلْكم} جزما لكان وجها؛ لأن الجواب في عسى فيضمر في عسى- الفاء، وينوى بالدخول أن يكون معطوفا على موقع الفاء، ولم يقرأ به أحدٌ، ومثله: {فأصّدق وأكُنْ مِن الصّالِحِين}.
ومثله قول الشاعر:
فأبلونى بليتكُم لعلى ** أصالحكم واستدرجْ نويّا

فجزم لأنه نوى الرد على لعلى.
{ضرب الله مثلا للذِين كفرُواْ امْرأت نُوحٍ وامْرأت لُوطٍ كانتا تحْت عبْديْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحيْنِ فخانتاهُما فلمْ يُغْنِيا عنْهُما مِن الله شيْئا وقِيل ادْخُلا النّار مع الدّاخِلِين}. وقوله: {ضرب الله مثلا للذِين كفرُواْ...}.
هذا مثل أريد به عائشة، وحفصة فضرب لهما المثل، فقال: لم ينفع امرأة نوح وامرأة لوط إيمانُ زوجيهما، ولم يضر زوجيهما نفاقُهما، فكذلك لا ينفعكما نُبوُّة النبي- صلى الله عليه- لو لم تؤمنا، ولا يضره ذنوبكما، ثم قال: {وضرب الله مثلا للذِين آمنُوا امْرأت فِرْعوْن} فأمرهما أن تكونا: كآسية، وكمريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها. والفرج ها هنا: جيب درعها، وذكر أن جبريل: صلى الله عليه وسلم نفخ في جيبها، وكل ما كان في الدرع من خرْق أو غيره يقع عليه اسم الفرج. قال الله تعالى: {وما لها مِنْ فُرُوجٍ} يعنى السماء من فطور ولا صدوع. اهـ.